"ليست لدي النية في الخلود في الحكم، سأحترم الدستور. أود أن أترك مرافق جديدة وورشات كبرى وإصلاح للمنظومة السياسية.
حتى إذا لم أنجح في كل شيئ يكون لي الفضل في التأكيد للجزائريين أن الأمر ممكن. وهكذا ستكون الطريق مسطرة والأجيال القادمة هي من ستتولى إكمال المهمة".
هذا رد الرئيس عبد المجيد تبون على سؤال صحيفة "لوبنيون" الفرنسية حول "الإرث االذي ينوي تركه للجزائر "مع نهاية عهدته الثانية والأخيرة". ونفهم من صيغة السؤال أن الصحفي المحاور يملك جزء من الجواب عن سؤاله. وجاء رد تبون في نفس الاتجاه كأنه بصدد تمرير رسالة ما، علما أن الانتخابات الرئاسية مرت عليها أقل من ستة أشهر وموضوع بقائه أو رحيله بعهد نهاية العهدة الحالية سابق لأوانه بكثير.
ومعلوم من جهة أخرى أن الانتخابات الرئاسية تم تقديمها ممن شهر ديسمبر إلى سبتمبر من العام الماضي. ومن بين الحجج التي قدمها من دافعوا عن خيار الرئاسيات المسبقة أن عبد المجيد تبون كان يريد أن تكون زيارته لفرنسا، التي كانت مقررة في أكتوبر، بصفته رئيسا منتخبا لا رئيسا مرشحا لخلافة نفسه. لكن تلك الزيارة ألغيت بسبب عودة الأزمة الديبلوماسية بين البلدين إلى الواجهة منذ إعلان الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون عن مساندته الخيار المغربي في الملف الصحراوي.
وفي هذا الخصوص، قال عبد المجيد تبون في حواره مع "لوبنيون" أن الجزائر كانت على علم مسبق بقرار ماكرون، وأن هذا الأخير أخبره بقراره خلال لقائهما بمدينة باري الإيطالية. وكشف تبون بالمناسبة عن مضمون الحديث الذي جرى بينه وبين ماكرون على هامش قمة مجموعة السبعة، حيث صرح أن ماكرون "عبر له عن رغبته في الحصول على دعم الفرنسيين من الأصول الجزائرية والمغربية لضمان "أغلبية وسطية" في التشريعيات ومن ثمة الاستمرار في سياسته. "حينها أخبرني أنه ينوي القيام بخطوة للاعتراف بمغربية الصحراء الغربية" يقول تبون، مضيفا "حذرته وقلت له انت بصدد إرتكاب خطأ فادح ولن تجني شيئا وستخسرنا".
"وضع العلاقات الجزائرية الفرنسية مضر"
وتأسف الرئيس عبد المجيد تبون لكون الوضع الذي تعيشه العلاقات الجزائرية الفرنسية حاليا "مضرة"، عكس "العلاقات القوية والتاريخية" التي تحدث عنها في السابق. والظاهر أن كل المشاريع التي بدأها مع ماكرون قد إصطدمت بواقع العلاقات الثنائية المتوترة، ما جعله يذكر محاوره بقصة شعرة معاوية "كي لا نسقط في الطلاق الذي لا يمكن إصلاحه" ثم أضاف "إننا بصدد تضييع الوقت مع ماكرون. كان لدينا الأمل الكبير لتجاوز الخلاف حول الذاكرة… كما وضعنا ورقة طريق طموحة بعد زيارة نظيري الفرنسي في أوت 2022… بعدها لا شيئ تقدم بإستثناء العلاقات التجارية".
تبون تحدث أيضا عن "حوار سياسي شبه منقطع" بين الجزائر وفرنسا، وأظهر إمتعاضه من الأوصاف التي يستعملها بعض السياسيين الفرنسيين إتجاه الجزائر، وذكر منها عبارة "دولة صعلوكة" التي إستعملها النائب إيريك سيوتي أو "نظام معادي ومستفز" التي قالها زعيم اليمين المتطرف جوردان بارديلا… ووضع تبون في حواره شروط الحوار مع الجانب الفرنسي قائلا " مستعدون للحوار، لكن اللجوء إلى القوة لا معنى له إطلاقا" في إشارة إلى مختلف الإجراءات التي يهدد وزراء وسياسيون فرنسيون بتطبيقها لإرغام الجزائر على قبول المطالب الفرنسية، منها مطلب مراجعة إتفاق الهجرة لعام 1968 ومطلب إصدار التأشيرات القنصلية لترحيل الجزائريين محل قرارات الطرد وإطلاق سراح الكاتب بوعلام صنصال…
وبخصوص هذا الأخير، قال تبون "لا أستطيع أن التنبؤ بأي شيئ" وذلك ردا على سؤال حول إمكانية إطلاق سراحه لاعتبارات إنسانية. وعن إتفاق 1968، قال أنها "أفرغت من محتواها" بعدما أصبح الجزائريون خاضعون لتأشيرة الدخول لفضاء شنغن. وأعاد في هذا السياق إلى الواجهة إتفاقيات إيفيان التي قال عنها "تنص على مبدأ حرية تنقل الأشخاص"، لكن ماذا بقي من إتفاقيات إيفيان، في ظل الانتقادات الموجهة لها من عدة أطراف في الجزائر رغم تجاوزها منذ عقود طويلة.
أما بخصوص التأشيرات القنصلية، فطالب تبون الطرف الفرنسي بالاستجابة لطلبات العدالة الجزائرية. وخص بالذكر هنا "شخصيات إرتكبوا جرائم إقتصادية" وتحدث أيضا عن "شخصيات منحت لها الجنسية الفرنسية وأخرى اللجوء السياسي بينما هي تقوم بأفعال تخريبية فوق التراب الفرنسي". ومعلوم أن ظاهرة اللجوء السياسي توقفت بالنسبة للجزائريين في سنوات ألفين، بعدما توقف النشاط الإرهابي في بلادنا، لكن عدد الجزائرييين الذين يطلبون اللجوء السياسي في فرنسا وفي غيرها من الدول عاد للارتفاع بشكل كبير بعد توقف الحراك الشعبي وبدأ المتابعات الأمنية والقضائية ضد النشطاء والمعارضين السياسيين.
م. إيوانوغن